إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

غَيبوبة الصّحراء

غيبوبة أعيشها مع أجواء حزني ، كلّما دنوتُ قُرباً من أرض الحضارات و العجائب السبع ، و كلّما ازددتُ رهبةً و بدأتْ دقّات قلبي تخفقُ وجلاً بانتظار معانقة الحبيب ، مروراً بصحراء داكنة العتمة ، راودني نداءٌ و أنا أُحدِّقُ بعيناي : 
يا جابر ... يا جابر ، قُم واستقبل حرم رسول الله  .
و إذ بمسامعي إلتقَطَتْ جواباً حزيناً : 
يا جابر ... ها هنا بُترتْ رؤوسنا
يا جابر ... ها هنا دهسوا أطفالنا
يا جابر ... ها هنا هربت نساؤنا
يا جابر ... و لا جابر لكسر خواطرنا

صوتٌ تفجّر من حنجرةٍ ملؤها العويل ، ما حدث هنا في هذه الصحراء أشبه بمسرح يعجزُ عن تجسيده ممثّل ، و لا عن إخراجِ مشاهده بارع غير الحسين و العبّاس ( عليهم صلوات الخلق أجمع ) .
غيبوبة ساعة ، أهدتني سلّة زهور ، زهرة ملوّنة بلون سُكينة ، و زهرة مخطوفة اللون ذابلة الأوراق ، هي تلك المحزونة زينب ، تتقاطر من تلك الزهور دموع ليلى و الرّباب .
في قلب الصحراء كان هناك سربٌ يحلّق على أرضها ، لكن هذا السّرب لا يعرف معنى الوقوف ، لأن ضريبة الوقوف هي سياطٌ تلعب على متون الخدّر ،

تلك هي ثقافة الصحراء



نفسي تتعارك مع غيبوبتي ، كلاً منها يحاول إقناع الآخر بأنه هو الواقع ، البطل هنا هو تاريخ ما جرى ، و تراث ما سُفِك ، و بقايا ما أُهدِر .
البطل هنا جاوز حدود الحد ، لينفرد هو و زمرةٌ قد توحّدت صفوفهم ، ليرتجل شاهراً لسانه كسلاح أمنٍ يقيم به الحُجّة على عدوّه العاري من أيّة رحمة .
لكن .. سبَقَتْ روحه جسده إلى الجِنان حيث الأمان ، لكن جسده ظلّ يستقبل جميع صنوف العذاب ، كان يدعو راجياً ربّه بأن يُرشَقَ هو دون نسائه  .
شرع يُحصي جراحه علّه يُبصِر جانباً أو موضعاً لم يُهشم ، و حاوَل أن  يلملِم أعضاءه ، لكنّ وجههُ قد تشرّب بالدماء و عيناه قد عمتها ألوان الألم ،
في حينٍ مضى ، بدأ يسترجع ساعاته التي انقضت ، و تذكّر تناحر أصحابه الذين كانوا قد شرعوا بالتناحر بينهم متسارعين الى نيل شرف الموت نصرةً للحسين عليه السلام ، فَلَمْ يبرح الى و قد سكنتْ أصواتهم ، و عانقت سيماهم الأرض ، و سافرت أرواحهم الى من وعدهم بكأسٍ رويّ لن يظمؤا بعده أبدا ،
بعدها ، قرّر الحسين توديع كربلاء ، مسلّماً جسده للطعنات ورأسه للإهانات ،
لكنّه أبى التوديع دون أن يُنكسَ رأسه خجلاً أعتذاراً ، لعقيلته زينب ،
فدربها طويل ، و السبي ذليل ، و غداً تدور رحى المآسي ستحكي هموم الطريق .